الجمعة، 8 نوفمبر 2013

 رودريغودي تريانا وسقوط غرناطة
" الموريسكي الذي حدد اليوم الوطني لإسبانيا"


تمثال لرورديرغودي تريانا في مدينة إشبيلية

بينما كان المسلمون يزدادون انقساماً وتفرقاً وضعفاً في الأندلس بداية بما سمي " بملوك الطوائف" (والتي تفرقت وتشتت فيها الأندلس إلى ممالك إسلامية صغيرة متنازعة ومتناحرة فيما بينها بعد أن كانت دولة واحدة قوية) مرورا بالحكم الذي تلاه لاحقا والذي بدأ بدولة المرابطين ثم دولة الموحدين ثم دولة بني مرين وبني نصر, انتهى الوضع بتساقط المنطقة تلو الأخرى بدءاً بمملكة طليطلة, حتى لم يتبقى لدى المسلمين في الأندلس سوى مملكة غرناطة في الجنوب. أما في الشمال عند الممالك المسيحية فقد كان الوضع مغايراً حيث كانت الممالك المسيحية تتحد مع بعضها وبدأ ذلك عندما تزوج ملك مملكة الأراجون "فرديناند" بملكة قشتالة " إيزابيل الكاثوليكية"- وكانت هذه هي تسميتها السائدة نظراً لتعصبها الديني- فبهذا الزواج قامت مملكتي قشتالة وأراجون بالاتحاد فيما بينهما لتصبح مملكة واحدة والتي تحولت فيما بعد إلى مملكة إسبانيا.

في شتاء ديسمبر القارص من عام 1491م, وبالتحديد في منطقة "سانتا فيه" المجاورة لمدينة غرناطة جنوب الأندلس, وبينما كان ملكي قشتالة وأراجون يحاصران مدينة غرناطة لإسقاطها بدأ "كريستوفر كولومبس" محاولاته لإقناع الملكة "إيزابيل الكاثوليكية" والملك " فرديناند" خلال حصارهما للمدينة وذلك بزيارتهما في مقر إقامتهما في "سانتا فيه" للسماح له ولدعمه ولتأييده لاكتشاف العالم الجديد(أمريكا), وقد باءت محاولات "كولومبس" لإقناع الملكين بالفشل كفشل محاولاته السابقة مع ملوك إنجلترا والبرتغال الذين رفضا الفكرة, بينما كانت محاولات الملكين لإسقاط غرناطة في طريقها للنجاح.  

عندما حل الثاني من يناير من عام 1492م وبعد حصار قوي لمملكة غرناطة من قبل الملكين "فرديناند وإيزابيل" قام أبي عبد الله الصغير ملك غرناطة وآخر ملوك المسلمين في الأندلس بتسليم آخر معاقل المسلمين الصامدة في الأندلس وهي مملكة غرناطة للملكين بعد توقيع المعاهدة الشهيرة لتسليم غرناطة, وبهذا التسليم وفي هذا التاريخ بالتحديد انتهى الحكم الإسلامي الأندلسي الذي بدأ عام 711م على يد القائدين موسى بن نصير وطارق بن زياد بعد حكم دام ثمانية قرون, عاش فيه قادة وعلماء ومفكرين كبار كالداخل والناصر والمعتمد واعتماد والغافقي والسمح بن مالك والمنصور بن أبي عامر وابن حزم وابن رشد والشاطبي وحامد الزعبي وأبي البقاء الرندي وابن زيدون وابن البيطار وابن فرناس وولاّدة وغيرهم الكثير من القادة والعلماء.

                                           

لوحة تصور تسليم أبي عبد الله الصغير لمدينة غرناطة للملكين فرديناند وإيزابيل

هكذا سقطت الأندلس ليبدأ المسلمون في الأندلس برحلة العناء والجور والظلم. رحل من رغب في الرحيل إلى المغرب من أهل غرناطة وبقي من بقي آملا في استعادة الأندلس. وعند مغادرة أبي عبد الله الصغير عن مدينة غرناطة ألقى نظرته الأخيرة من بعيد, متألما ومتحسرا على تاريخ مجيد مضاع (وكأنه يعلم ويعرف ما سيحل للأندلس من بعده حتى نكث الملكين بمعاهدة تسليم غرناطة بعدها بزمن بسيط وقامت محاكم التفتيش) نظرت إليه أمه عائشة الحرّة وهي تنظر لابنها أبي عبد الله الصغير يبكي قائلة له "ابك كالنساء, ملكا مضاعا لم تصنه كالرجال", ليرحل بعدها إلى المغرب ويعيش فيها ما تبقى له من عمر.

 وبعد فرحة النصر الكبيرة لدى الملكين الكاثوليكيين وهي التسمية المشهورة للملكين إيزابيل وفرديناند، والتي منحت لهما من قبل البابا إسكندر السادس، عاد "كريستوفر كولومبس" للمحاولة مرة أخرى لإقناع الملكين الكاثوليكيين, حتى نجح بعد وساطات أدت لإقناعهما في السابع عشر من أبريل سنة 1492م, خصوصا بعد الغنائم المالية الهائلة التي غنمها الملكين بعد سقوط غرناطة, ليبدأ الرحالة الإيطالي "كولومبس" بتلقي التمويل بشكل تبرعات واستثمارات من التجار وكذلك من الملكين الكاثوليكيين واستطاع أن يجمع ملايين من المرابطية" وهي العملة التي كانت تستخدم لدى مملكة قشتالة آنذاك، وهي نسبة إلى المرابطين الذي حكموا المغرب وجزءا كبيرا من الأندلس.

                                            

معاهدة غرناطة المحفوظة في أرشيف سيمانكس في منطقة بلد الوليد

في الناحية الأخرى من الأندلس وبالتحديد في أشبيلية (التي سقطت قبل غرناطة بحوالي 250 عاما والتي يعاني فيها المسلمون الظلم والاستعباد) وقبل سقوط غرناطة بعشرين أوثلاثين سنة تقريبا أجبر تاجر صناعة الفخار المسلم إلى اعتناق المسيحية وتغيير اسمه إلى "بيثينتي بيرميخو" هووزوجته الذين أجبرا على تغيير دينهما من الإسلام إلى المسيحية, حال الكثير من المسلمين طبقا للنظام المتبع آنذاك والذي يقضي بإجبار تحول المسلمين إلى المسيحية, لينجب هذين الزوجين طفلا اسموه "خوان" الذي تربى على النصرانية.  

ولد البحار "خوان رودريغيث دي بيرميخو" والذي عرف كذلك باسم رودريغوديو دي تريانا في أحد أحياء مدينة أشبيلية "تريانا"، وقيل أنه ولد في قرية "ليبي" التابعة لمنطقة "ولبة الأندلسية" سنة 1469م (وهي نفس السنة التي تزوج فيها الملكين الكاثوليكيين واتحدت فيهما المملكتين)، وقد تعددت روايات مكان ولادته، واختلف على اسمه الحقيقي، لكن المؤرخين لم يختلفوا على شخصية هذا الرجل.

نشأ الفتى كأي فتى موريسكي متبعا الديانة المسيحية ولا يعلم عن أصوله الإسلامية, حيث أن والديه لا يستيطعان أن يعلماه أي شيء عن دينه ولوخفية خوفا من النظام السائد آنذاك. قام هذا الشاب بتعلم اللغة العربية والبحارة على يد رجل أندلسي موريسكي مسلم(ومصطلح الموريسكي هي تسمية لمن حولوا دينهم من الإسلام إلى النصرانية قسرا). سمع هذا الشاب بخبر انطلاق أسطول بحري لاكتشاف العالم الجديد ليقرر "خوان" الذهاب إلى بلدة "بالوس الفرنتيرة" في أقصى جنوب غرب إسبانيا للانضمام للأسطول البحري الذي سينطلق من ميناءها لاكتشاف العالم الجديد, وقد اختير هذا الشاب ذوالثلاثة وعشرين عاما ليكون ضمن الفريق البحري في سفينة  "لا بينتا".  

في الثالث من أغسطس سنة 1492م انطلق "كولومبس" بالأسطول البحري لاكتشاف العالم الجديد، وكان الملكين الكاثوليكيين قد أعلنوا قبل انطلاق الأسطول عن مكافأة قدرها (عشرة الآلاف مرابطية) لأول من يرى اليابسة من بين الأسطول البحري، وبعد انطلاقة تجاوزت الشهرين بدأ اليأس والإحباط يصيب البحارة لأنهم لم يروا اليابسة بعد, حتى مساء الحادي عشر من أكتوبر عندما حلّ المساء وكان الكثير من البحارّة في نوم عميق وفي ظلام دامس شاهد" خوان"نيرانا تشتعل من بعيد فصرخ الفتى الموريسكي بعبارته المشهورة حتى هذا اليوم"اليابسة على مرأى منكم" فقام الجميع من نومهم ينظرون إلى اليابسة وكانت أول يابسة رآها الأسطول هي جزيرة "جوانهاني" أوكما تسمى اليوم بجزيرة "سان سلفادور"إحدى جزر البهاما وفي صباح اليوم التالي في الثاني عشر من أكتوبر نزل الأسطول البحري بقيادة الرحالة الإيطالي "كولومبوس" في هذه الجزيرة التي رآها الشاب الموريسكي "خوان".

حددت صرخة الفتى الموريسكي اليوم الوطني لمملكة إسبانيا حاليا وهو الثاني عشر من شهر أكتوبر وهو يوم اكتشاف أمريكا ونزول "كولومبوس" للجزيرة وأصبح شخصية لها حضورها في تاريخ اكتشاف أمريكا والذي ذكره  "كولومبس" في يومياته. بينما كان الفتى الشاب فرحا بإنجازه ومتشوقا لأخذ جائزته التي وعد بها الملكين لأول من يرى اليابسة، كان والده على موعد مع إعدامه بالحرق في التنور"هو ومعلّمه الذي علّمه اللغة العربية وقد كانت تهمة والده هو متاجرته مع اليهود، أما التهمة التي وجهت لمعلمه هي إقامة علاقة حميمة مع والدة البحار "خوان". وقد عرف عن ملوك قشتالة وأراجون آنذاك تلفيق التهم للموريسكيين بهدف التخلص منهم وخصوصا لمن يشكون أنه يخفي إسلامه, بهدف أن لا يعلم أبنائهم شيئا عن دين والديهم يوما من الأيام وبهذا يتربي الطفل على النصرانية بينما لا يستطيع والديه تعليمه الإسلام ولا في الخفاء خوفا من أن يكشف سرهم.

ادّعى كولومبوس أنه رأى اليابسة قبل الفتى بساعات عندما رأى شموعا من بعيد, لكنه لم يعلن ذلك وقتها، مما أدى إلى منع الشاب من استلام مكافأته الكبيرة. والتي أدت إلى غضبه بعد عودته إلى بلده وخصوصا بعد علمه بما حل بوالده وبمعلّمه. مما تسبب له بالإحباط الكبير والذي جعله يقرر الرحيل إلى شمال المغرب ليعتنق الإسلام ويموت فيها سنة 1535م أوأنه كفر كما ذكر كولومبوس ذلك في مذكراته.

كرمته مدينة أشبيلية في حي تريانا بالتحديد الذي ولد فيه، عندما قامت بلدية المدينة بعمل تمثال يمثل نصبا تذكاريّا لهذا الشاب، كما قامت بلدة "بالوس الفرنتيرة" التي انطلق منها أول أسطول لاكتشاف العالم الجديد كذلك بعمل نصب تذكاري له.

في قصة الفتى "خوان" حلقات مفقودة ومصادرها قليلة رغم أهميتها وعند بحثي عن المصادر في هذه القصة لم أجد إلا المصادر الإسبانية كذلك لم أجد أي مصدر عربي كتب عنها- قد يكون البعض قد كتب عنها ولم أستطع الوصول لما كتبه. لكن تبقى هنا تساؤلات كثيرة حيرتني، هل كان هذا الشاب هو الموريسكي الوحيد على متن هذا الأسطول أم غيره كثر!, وما هي أسباب حرقهم لوالده، هل هو بسبب متاجرته مع اليهود أم بسبب اكتشافهم أنه لم يتنصر فعليّا! ولماذا لم يتم تسليمه حقه من المكافأة التي أعلن عنها! هل لكونه موريسكي! لكن أكثر تساؤل حيّرني هو لماذا تعلم العربية قبل سفره لاكتشاف العالم الجديد!!!.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق